مستقبل غزة: مسألة الأمن في اليوم التالي

كثيرة هي الاتفاقات التي توصلت إليها الفصائل الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية وآخرها اتفاق بكين في الثاني والعشرين من تموز الماضي، والذي استند إلى اتفاق القاهرة في العام 2011 والجزائر في العام 2022، ويبدو أن هذه السلسلة الطويلة والمتكررة من الاتفاقات، التي بدأت حتى قبل انقلاب حركة «حماس» على السلطة الوطنية، تتعثر أمام مسألتين جوهريتين: الأولى هي رغبة «حماس» في دخول المجلس الوطني والمؤسسات التابعة لمنظمة التحرير وبالتالي حصولها على مكان بارز في المؤسسة التي تمثل الشعب الفلسطيني والمعترف بها عربياً ودولياً وحتى إسرائيلياً بالرغم من أن حكومة اليمين العنصري المتطرف في إسرائيل لم تعد تعترف بشيء. والمسألة الثانية هي استعداد «حماس» الفعلي للتخلي عن السلطة بالمعنى الحرفي للكلمة لصالح حكومة توافق وطني متوافق عليها. وهذا يعني تخليها عن جناحها العسكري وكونها تمثل مليشيا مسلحة موازية لأجهزة أمن السلطة في ازدواجية لا يمكن معها توحيد السلطة وضمان سيطرتها الفعلية على كل المناطق التي من المفروض أن تكون تحت مسؤوليتها.
بالنسبة لمسألة دمج «حماس» في مؤسسات منظمة التحرير تم الاتفاق على تشكيل الإطار القيادي المؤقت الذي يضم الأمناء العامين للفصائل التي تشمل فصائل المنظمة وعددها 12 فصيلاً بالإضافة إلى حركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المستقلة. وهذا الإطار بالرغم من الاتفاق على تشكيله منذ العام 2011 لم يرَ النور ولم يدع لاجتماع على الإطلاق. 
وهناك أسباب عديدة حالت دون عقد هذا الإطار منها عدم تقدم عملية المصالحة وخشية القيادة من معارضة الولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل لمنح شرعية لحركة «حماس» التي تعتبرها هذه الجهات «منظمة إرهابية». 
وهناك كذلك قلق دفين عند حركة «فتح» من احتمال سيطرة «حماس» على منظمة التحرير بعد الانتخابات العامة القادمة، في ظل انقسام حركة «فتح» لقوائم أو تيارات كما برز في التحضير للانتخابات التي كان من المفترض أن تجري في العام 2021. 
ولكن هذا الموضوع يمكن حله بالتوافق على إجراء انتخابات بعد فترة زمنية كافية لإعادة ترتيب الأوضاع الفلسطينية، وخاصة بعد حرب الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. فالوضع في قطاع غزة بحاجة لسنوات قبل أن يستقر ويتمكن المواطنون من المشاركة في عملية انتخابية. وهذا طبعاً بعد توقف الحرب.
في الواقع، المسألة الملحة الآن وقبل كل شيء آخر هي إنقاذ غزة ومحاولة لملمة جراحها بدءاً بالوقف الفوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات بكميات كبيرة والبدء بمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة تمهيداً لإعادة إعمار غزة.
ويمكن التسريع بهذه العملية من خلال الاتفاق الفلسطيني على قضايا اليوم التالي للحرب. وتحتل مسألة الأمن في غزة بعد الحرب أولوية قصوى في إعادة ترتيب الأمور والحصول على الدعم العربي والدولي وكذلك في تفعيل ضغوط جدية على إسرائيل لوقف الحرب. 
فلو اتفقت الفصائل على وحدانية سلاح السلطة بعد الحرب وعدم وجود أي نوع من السلاح في أيدي التنظيمات والأفراد ما عدا أجهزة أمن السلطة، فهذا من شأنه أن يخلق ثقة أكبر بإمكانية تحول غزة إلى منطقة آمنة ومسيطر عليها من السلطة الوطنية بموافقة جميع القوى. 
وأيضاً من شأنه أن يساعد في وقف الحرب وإعادة الإعمار. فلا إعادة للإعمار في ظل الفوضى المسلحة، وفي ظل انعدام وجود حكومة قوية ومقبولة دولياً، وهذا يتطلب الإقدام على إصلاح جدي وحقيقي في مؤسسات السلطة.
موضوع السلاح هو دون شك حساس في المجتمع الفلسطيني في ظل تبني الكثيرين لشعارات ومواقف ترفض فكرة التخلي عن السلاح باعتباره سلاح مقاومة مشروعاً حسب القانون الدولي. 
وهنا ينبغي التساؤل عن وضع غزة بعد هذه الحرب المدمرة، هل ستبقى غزة تنزف وتدمر بهذه الصورة مرة كل عدة سنوات، ومن ثم نرجع للمطالبة بالعودة للوضع السابق قبل الحرب أو لبعض منه. 
أما آن الأوان لأن ترتاح غزة ويتوقف نزيفها ويحصل المواطنون على شروط حياة ملائمة، خاصة أنها يمكن أن تكون رافعة للاقتصاد الوطني، ويمكنها أن تقدم الكثير في تعزيز صمود المواطنين على أرض وطنهم وهي المهمة الوطنية الأكبر في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني القائم على الاستيلاء على الأرض وتهجير المواطنين.
يجب أن نقف أمام أنفسنا الآن ونتصارح ونضع النقاط على الحروف بالنسبة لمستقبلنا بدلاً من الهروب إلى الأمام والاختباء خلف شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، ونفكر بالأساس في كيفية الحفاظ على المواطنين وحمايتهم من الأذى ومقاومة الاحتلال بصورة تؤذي إسرائيل ولا تعرضنا للخطر، وتساعدنا في تعزيز إنجازات شعبنا ومكاسبه على الحلبة الدولية وبالتعاون مع الأشقاء العرب. 
وهناك مجموعة متنوعة من أشكال النضال التي يمكنها تحقيق نتائج أكثر فاعلية في هذه الظروف دون هذا الاستنزاف والخسارة اليومية الكبيرة في حياة مواطنينا. ولنأخذ وقفة لإعادة التفكير في كل أمورنا، وعدم تكرار الأشياء التي ثبت عدم قدرتها على تغيير واقعنا للأفضل.

الكاتب: أشرف العجرمي