ربما كان من الأجدى أن يتم التشاور وطنياً حول تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، حتى لو كان تكليفها هو من صلاحيات الرئيس محمود عباس حسب القانون الأساسي، وخاصة في ظل غياب المجلس التشريعي الذي تحولت صلاحياته للمجلس الوطني والمجلس المركزي. وكان يمكن عقد اجتماع للمجلس المركزي لمناقشة برنامج الحكومة والمصادقة عليه وعلى التشكيلة الوزارية، وكان يمكن عقد اجتماع فصائلي أوسع بمشاركة كل القوى بما فيها التي ليست ممثلة في مؤسسات منظمة التحرير.
عملياً هناك أشياء كثيرة ينبغي أن تحصل ولم تحصل، ولكننا لا نمتلك ترف إضاعة الوقت في نقاشات عقيمة حول ما كان يجب أن يتم، والأجدى أن ينحصر التفكير والعمل الجاد فيما ينبغي أن نعمل الآن وفي المستقبل لمعالجة الكوارث التي يمر بها شعبنا جراء حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها في غزة وحتى في الضفة الغربية ولو كانت على نطاق أقل.
الآن أصبح واضحاً أن “حماس” لم يعد بمقدورها العودة لحكم قطاع غزة بالصيغة التي كانت قبل الحرب، فهذا يعني بقاء غزة مدمرة واستمرار الوضع المأساوي الذي ربما سيبقى مهيمناً على الواقع هناك لفترة طويلة قادمة. وعليه فالمسؤولية الوطنية تقتضي إفساح المجال أمام الحكومة الجديدة لتمارس مهماتها بصورة كاملة في قطاع غزة، بل بات مطلوباً توفير كل أشكال الدعم والمساندة لها في عملها، وهذا يجب أن يبدأ الآن قبل أن يتوقف إطلاق النار وتنتهي هذه الحرب البربرية في غزة، وحتى قبل أن تسمح إسرائيل بعودة السلطة لقطاع غزة.
العنوان الأهم الآن للعمل في غزة والذي يتطلب تعاون الجميع هو ضمان إيصال المساعدات الإنسانية لكل أبناء شعبنا في مختلف مناطق القطاع وخصوصاً في الشمال، وتوزيعها بصورة عادلة ومنصفة ومنع عصابات الإجرام من السيطرة عليها وعدم وصولها لمستحقيها. وفي هذا السياق يجب البدء فوراً بتشكيل لجان وطنية مركزية وفرعية في مختلف مناطق القطاع تضم في صفوفها ممثلي الفصائل المختلفة واللجان الشعبية والعشائر والهلال الأحمر والأمم المتحدة، بحيث يمنح الدور الأكبر لوكالة الأونروا التي تريد إسرائيل حلها ومنعها من العمل. والتفكير بصورة مسؤولة في عدم وضع ممثلي تنظيمات لا تقبلهم الأطراف الدولية في هذه اللجان ويُستعاض عنهم بشخصيات مستقلة موثوقة، بمعنى أن يتم وضع كل أسباب النجاح أمام هذه اللجان لتكون قادرة على استقبال المساعدات وتوفير الحماية لها وتوزيعها لكل الناس حتى تتمكن الحكومة من الاضطلاع بمهماتها المنوطة بها في غزة. فمثل هذه اللجان ستحظى بدون شك بثقة المواطنين وتمنع التلاعب بالمساعدات وتبطل محاولات إسرائيل تشكيل إدارة تابعة لها غير مقبولة وطنياً.
هناك دور كبير مطلوب من حركة “حماس” استجابة لمتطلبات الوضع الكارثي في غزة، وهذا الدور أساسه مبني على التحلي بروح المسؤولية الوطنية، فنحن الآن لسنا في وقت يسمح بمراجعة كل ما حدث في غزة ومَن المسؤول في هذا الأمر أو ذاك، ولكن بدون أدنى شك يترتب على الجميع وفي المقدمة “حماس” العمل من أجل تجنيب المواطنين المزيد من الأضرار والكوارث، وحماية المدنيين من كل أذى، خصوصاً وأن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء البشرية في عدوانها الإجرامي ضد قطاع غزة الذي لم يسلم منه أي شيء، والذي يندرج بحق تحت أكبر الجرائم في التاريخ ويرقى لمستوى الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني.
وموضوع العمل الإغاثي يحتل أولوية قصوى في ظل عملية القتل بالتجويع التي تمارسها إسرائيل ضد شعبنا، وخاصة في شمال قطاع غزة. ولهذا ينبغي العمل على توفير كل أسباب النجاح لوصول المساعدات لشمال القطاع، بتخلي “حماس” عن فكرة استعادة السيطرة بالقوة والسماح لكل من يستطيع في الإطار الوطني تحمل المسؤولية.
والأمر الآخر الذي سيواجهنا قريباً هو موضوع إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب، وهنا نحن أمام مشروعين مختلفين، مشروع وطني فلسطيني مدعوم عربياً ودولياً، ومشروع إسرائيلي لا يلقى حتى اللحظة الدعم من أي طرف دولي. الأول يقوم على عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة بالتكامل مع الضفة الغربية، في إطار تسوية سياسية تقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة قد تبدأ بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من العام 1967. أما المشروع الإسرائيلي فيقوم على استمرار احتلال غزة والسيطرة الكاملة عليها أمنياً، وإقامة إدارة مدنية مرتبطة بالاحتلال بديلاً عن السلطة الوطنية لمنع إقامة دولة فلسطينية.
وبالتالي، فالواجب يتطلب من الجميع دعم المشروع الوطني الذي أصبحت له حظوظ كبيرة في الوقت الراهن. وحجر الزاوية في مشروعنا هو توحيد شقَّي الوطن. وهذه المهمة الأكبر والأولوية القصوى للحكومة الجديدة، التي يجب على الجميع المساهمة في إنجاحها.
المَهمة الوطنية الملقاة على عاتق الحكومة هي بالأساس مَهمة كل الوطنيين الفلسطينيين، وهي ليست مطلوبة من “حماس” والفصائل في غزة لوحدها، بل هي مطلوبة من الجميع، ولهذا من المفروض أن تكون هناك مرجعية وطنية واحدة للحكومة هي منظمة التحرير بالأساس بمشاركة “حماس” و” الجهاد الإسلامي”، وربما الصيغة الأمثل هي تشكيل لجنة فصائلية تضم الجميع وتعمل تحت سقف منظمة التحرير، حتى يتحمل الجميع المسؤولية عن تنفيذ الحكومة لبرنامجها في مختلف المجالات، سواء توفير حياة كريمة للمواطنين بحل مشكلات غزة ومشكلات كل مناطق الوطن، أم توحيد المؤسسات في الضفة وغزة أم الإصلاح الشامل للمؤسسة الرسمية من مختلف الجوانب التي تعاني من خلل. وهذا يتطلب شراكة يمكنها أن تنقذ شعبنا وقضيته الوطنية.
الكاتب: أشرف العجرمي