يجري التحضير لحوارات فلسطينية – فلسطينية برعاية صينية في العشرين من هذا الشهر، حيث ستبدأ هذه الحوارات بلقاء بين حركتَي “حماس” و”فتح”، يعقبه لقاء لكل الفصائل الفلسطينية في اليوم التالي. ويبدو أن الضغوط الصينية أثمرت في عقد هذه الحوارات بعد أن تم تأجيلها من الشهر الماضي. والتأجيل الذي جرى كان على الأغلب بسبب عدم الاتفاق على صيغة البيان الختامي المقترح من الصين. والظاهر أن الفصائل وافقت على استئناف الحوار، على الرغم من عدم وجود ما يشجع على الاتفاق بسبب اختلاف وجهات النظر بين “حماس” و”فتح” حول مستقبل غزة وطبيعة الحكم القادم في القطاع، لأن الفصائل المعنية لا تريد خسارة الصين بسبب الخلافات فيما بينها.
وعلى الرغم من الخلاف حول الموقف من اليوم التالي للحرب في غزة، إلا أن الوضع الذي يمر به القطاع يستدعي تفكيراً عميقاً مغايراً، ويتطلب مرونة كبيرة في التعامل مع أوجه الخلاف المتعلقة أساساً بمصالح حزبية أكثر مما تتعلق بالمصلحة الوطنية. فالإجرام الإسرائيلي مستمر بكثافة، وعمليات القتل اليومية لم تتوقف، وكذلك عمليات استهداف كل مرافق الحياة. هذا عدا الحاجات الإنسانية الملحة التي باتت تضغط بصورة كبيرة على المواطنين الذين يتعرضون للتجويع والتشريد بصورة لا سابق لها في العصر الحديث. بالإضافة إلى الضغط العسكري الكبير الذي تتعرض له حركة “حماس” والفصائل المقاتلة في غزة. وربما كان الهجوم الأخير على المواصي نقطة فاصلة فيه مع قتل قائد لواء خان يونس في كتائب عز الدين القسام رافع سلامة، والحديث غير المؤكد عن تصفية محمد الضيف القائد العام للقسام وعدد من الكوادر العسكرية. كلها عوامل قد تساهم في تعديل مواقف “حماس” من مسألة مستقبل غزة، فالشيء المؤكد أن “حماس” تحلت بمرونة كبيرة في مسألة استمرار المفاوضات حول صفقة التبادل على الرغم من الهجوم البربري على المواصي، وهي مطالبة بمرونة داخلية كذلك.
وربما تؤثر هذه الأوضاع كذلك على موقف القيادة بشأن الحوار والاتفاق مع “حماس”، وتحوله من سلبي إلى إيجابي رغم الضغوط التي تحول دون الذهاب نحو المصالحة والاتفاق الوطني الشامل. فالوضع الفلسطيني الداخلي يتعرض لتدخلات إقليمية ودولية كبيرة تطال كل التفاصيل. ولا شك أن مستقبل المنطقة برمّتها بعد حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة مرتبط بما سيحدث في القطاع في اليوم التالي للحرب. وهو الموضوع الذي يشغل بال المجتمع الدولي، ويحظى بالاهتمام والنقاش على نطاق واسع في دوائر القرار على مستوى العالم. مع أن إسرائيل تحظى بدعم الدول الغربية وتتمتع بوضع فيه الكثير من الحصانة؛ لأن الولايات المتحدة تمنح تل أبيب كل الدعم الممكن وغير المتحفظ حتى على مستوى القتل والإبادة التي تنفذها إسرائيل بالسلاح الأميركي.
وترسل واشنطن المبعوثين الواحد تلو الآخر، وآخرهم مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، التي زارت كلاً من الإمارات وقطر ومصر والأردن وإسرائيل وفلسطين وإيطاليا في جولتها؛ بهدف التوصل إلى اتفاق على تبادل الأسرى وعلى ترتيبات اليوم التالي للحرب في غزة. ولكن لا يبدو أن الجهود الأميركية ستنجح هذه المرة بصورة تختلف عن سابقاتها؛ طالما لا تمارس واشنطن الضغط على تل أبيب بصورة فعلية تفهم من خلالها الحكومة الإسرائيلية أن بقاءها على مواقفها سيكلفها الكثير. وتقوم عواصم إقليمية ودولية هي الأخرى بالتحرك، ولكن حتى الآن دون جدوى.
وحدنا نحن لا نأخذ المسألة على محمل الجد ونقوم بالفعل الصحيح الذي يجنّب شعبنا المزيد من الويلات. وفصائلنا وقياداتنا العظيمة تكتفي بتحليل الواقع واللطم على ما يجري، وفي أحسن الأحوال تكرر المناشدات والدعوات للأطراف الدولية للتدخل لوضع حد لهذه الحرب المدمرة. ولكن لا جهد يذكر على مستوى واجباتها الوطنية تجاه أبناء شعبنا الذين يذبحون على مدار الساعة. وكأن هذه الحرب تجري في منطقة بعيدة عنا ولا تربطنا بها صلة.
الآن، هناك فرصة لإعادة التفكير بواقعنا والبحث عن آليات حقيقية للتوصل إلى اتفاق وطني شامل يمهد الطريق لمعالجة مآسي شعبنا، والتخلص من اللامبالاة التي صدمتنا جميعاً في سلوك كل القيادات. فهل لنا أن ننتهز فرصة الحوار في الصين، هذا البلد الصديق والعظيم لنقوم بما يملي علينا ضميرنا الجمعي ومصلحتنا الوطنية، أم أننا سنتعامل مع الحوارات في الصين مثلها مثل غيرها الكثير التي أنتج بعضها اتفاقات تفصيلية، ولكنها لم تر النور، وعندها ستتضاعف معاناة شعبنا، وربما تضيع
فرصة التسوية إلى الأبد ونعود للبكاء على نكبتنا الجديدة، وعندها لن يرحمنا التاريخ؟
الكاتب: أشرف العجرمي